28 فبراير 2009

الدولة ما بين الإسلام والغرب - دراسة مقارنه



الدولة بين الإسلام والغرب " دراسة مقارنة "
-
المقدمة :
- أولاً : أصل كلمة الدولة
- ثانيًا : تعريف الدولة
- ثالثًا : أصل نشأة الدولة
- رابعًا : الدولة في الإسلام
· مفهوم الدولة في الإسلام
· الدولة في القرآن والسنة
· نظريات نشأة الدولة في الإسلام
· نماذج لمفكرين الإسلام : * ابن خلدون وتحليله لمفهوم الدولة
* الفارابي ومدينته الفاضلة
· مضمون " هدف الدولة " في الإسلام
· المبادئ المثالية التي قامت عليها الدولة الإسلامية
- خامسًا :الدولة في الغرب :
· إشكالية : نشأة الدولة الحديثة الغربية المعاصرة
· مفهوم الدولة في الغرب " State"
· هدف الدولة في النظم والدساتير الغربية المعاصرة ولدى فلاسفة الغرب :

1. غاية الدولة تحقيق السلم ( نص هوبز)
2. غاية الدولة هي الحرية ( نص اسبينوزا)
3. الدولة تجسيد للعقل (هيجل)
4. مشروعية سلطة الدولة (نص ماكس فيبر)
5. السياسة بما هي صراع (نص مكيافيللي)
6. فصل سلطات الدولة و استقلالها (نص مونتيسكيو)
7. الدولة مجموعة من الأجهزة ( نص ألتوسير)
8. السلطة ليست مجموعة أجهزة ( نص ميشيل فوكو)
9. مشروعية العنف( ماكس فيبر)
10. الدولة هي نتاج الصراع بين الطبقات ( فريدريك إنجلز )
- الخاتمة
الدولة بين الإسلام والغرب " دراسة مقارنة "

مقدمة:
مفهوم الدولة من المفاهيم التي تحول معناها بين الماضي والحاضر ، وتطور مع حركة التاريخ ؛ ذلك أن هذا المفهوم يوحي بظلال تاريخية استقرت في وعي الإنسان العربي والمسلم على خلاف ما استقر ذلك في وعي الإنسان الغربي ، وهذا الاختلاف يؤدي أحيانًا إلى إطلاق أحكام خاطئة ، تصل حد المفارقة حين نسمي الكيانات العربية دولاً ، هنا وجه للمقارنة ، ويظهر لنا هذا الاختلاف جلياً حين نقوم بدراسة مفهوم الدولة وتطوره في التاريخ العربي ونقارنه بتطوره المقابل في التاريخ الأوروبي ، وما نتج عن كل منهما من تطبيقات عملية وسلوكيات فكرية .
(1)
تربع مفهوم الدولة عرش الفلسفة السياسية ، لما يحمله من أهمية قصوى سواء اعتبرناه كيانا بشريا ذو خصائص تاريخية ، جغرافية ، لغوية ، أو ثقافية مشتركة ؛أو مجموعة من الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع. فان دل الاعتبار الثاني على شيء فإنما يدل على كون الدولة سيف على رقاب المواطنين وعلى هؤلاء الآخرين الامتثال والانصياع.
فلقد اتفق فلاسفة السياسة على أن الدولة هي الذروة التي تتوج البنيان الاجتماعي الحديث وتكمن طبيعتها التي تنفرد بها في سيادتها على جميع أشكال التجمعات الأخرى. فالدولة وسيلة لتنظيم السلوك البشري وفرض المبادئ السلوكية التي ينبغي أن ينظم الأفراد حياتهم على أساسها. فهي التي تصدر القوانين وتعاقب من يخرج عليها كما أنها تملك فرض النظام لضمان طاعتها من قبل الأفراد والجماعات المندرجة تحت ظلها .
أولا : أصل كلمة دولة
إن كلمة دولة قديمًا كانت تدل على وجود مجتمع فيه طائفة تحكم وأخرى تطيع . والدولة جاءت أو تشكلت عبر الزمان من خلال وجود مساحة من الأرض هذه الأرض يتوفر بها أسباب العيش ، من ماء وغذاء ومرعى وطقس جيد ، فتقوم هذه الأرض المتوفر بها أسباب العيش بجذب السكان إليها ، والسكان عندما يحضروا إليها يكون عددهم قليل جدا فيتزاوجوا وينجبوا جيلا جديدا وعددا جديدا في هذا الحال ينتقل هذا العدد القليل من أسره قليلة العدد يحكمها الأب إلى عشيرة يوجد بها عدد من الأفراد لا بأس به يحكمها شيخ العشيرة ، فتستمر عملية زيادة عدد الأفراد بأشكال مختلفة وينتج عن ذلك قرية ثم تتحول هذه القرية إلى قرى ثم تتحول هذه القرى إلى مدينة ثم إلى مدن ومن ثم ومع زيادة عدد المدن تتشكل الدولة التي يحكمها سلطة معينة وهي عبارة عن عدد من أبناء الشعب .
(1)
ثانيًا : تعريف الدولة :
· التعريف اللغوي :
الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها ، العاقبة في المال والحـرب ، وقـيل : بالضم في المال ، وبالفتح بالحـرب ، وقـيل : بالضم للآخـرة وبالفتح للدنيا ، وتجمع على دول بضم الدال وفتح الواو ، ودول بكسر الدال وفتح الواو ، والإدالة الغلبة ، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم ، وكانت الدولة لنا. ومن هذا المعنى جاء مصطلح الدولة نتيجة لغلبتها ، وإلا لما كانت دولة .
· التعريف الاصطلاحي :
تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليـه أكثر الفقهاء لأنه يحـتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها ، وهي الشعب ، والإقليم والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف ، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة.
· تعريف الدولة في المعجم الفلسفي : State
مجتمع منظم له حكومة مستقلة وشخصية معنوية متميزة عن المجتمعات الأخرى المماثلة التي تربطه بها بعض العلاقات . وتختلف الدول فيما بينها ، من حيث تكوينها ونظام الحكم فيها ، فمنها كبيرة وصغيرة ، ومنها ملكية وجمهورية .
(2)
· تعريف الدولة في موسوعة لالاند الفلسفية : ETAT " "
أ – مجتمع منظم ، ذو حكومة مستقلة ، ويضطلع بدور شخص معنوي ، اعتباري ، مميز تجاه المجتمعات المماثلة الأخرى التي يقيم معها علاقات .
ب – مجموعة الخدمات العامة لأمة من الأمم . بهذا المعنى ، تقابل المقاطعة ، المحافظة ، الولاية ، الخ .
(3)

ثالثًا : أصل نشأة الدولة

إن البحث عن أصل نشأة الدولة يعد من الأمور العسيرة ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي في تطورها تتفاعل مع الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة .
1) النظريات الغير عقدية :
أ- نظرية القوة و الغلبة :
إن الدولة حسب نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة أو القبيلة أو المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة ، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع عن وجودها . ومن أهم مفكري هذه النظرية ابن خلدون في كتابه المقدمة و Walter Bagehot و Jencks و Oppenheim ... و من أولى نتائج هذه النظرية التأكيد على سيادة الدولة المطلقة التي لا يحدها أي قانون أو معاهدة ، فللدولة مطلق الحرية في عقد المعاهدات و إلغائها و إعلان الحرب . و يقول فقهاء هذه النظرية أن الحرب هي التي تدفع بالعقل البشري تحت ضغط الحاجة إلى الإبداع . قد تأكد صحة هذه النظرية في العديد من المرات حيث قامت العديد من الدول على أساس القوة المادية و الانتصار في الحروب .
ب- نظرية التطور التاريخي :
يرى دعاة هذه النظرية أن الشكل الأول للاجتماع كان العائلة التي تطورت إلى قبيلة فعشيرة فمدينة فإمارة و أخيرا إمبراطورية . فمع التطور التاريخي اكتشف الإنسان أولا الحاجة إلى الاستقرار الاجتماعي فكانت العائلة ، ثم تبين له أهمية توسيع هذا الكيان الاجتماعي نظرا لما يوفر ذلك من إمكانيات ، فبالعيش المشترك بين مجموعة من الأفراد يربطهم ولاء تتحقق القدرة على تأمين الحاجات الأساسية و خاصة مواجهة أعدائهم الخارجيين.
ج- النظرية الماركسية :
يرى ماركس أن ظهور الدولة أو السلطة السياسية بمعناها الواسع ارتبط باكتشاف الإنسان للآلة الزراعية البدائية أي لأدوات الإنتاج ، فقبلها كان الناس يعيشون على ما يلتقطونه من ثمار و أعشاب و ما يصطادونه فلا وجود للملكية الخاصة ، إما بعد اكتشاف الآلة الزراعية نتج عنه ظهور مفهوم الغلة التي هي قابلة للتخزين و التملك ، من هنا بدا الصراع بين الأفراد حول ملكية أدوات الإنتاج و ملكية الغلة الزراعية ، وكانت الغلبة للأقوى ليست فقط بالمعنى المادي بل وأيضا بالمعنى الفكري . و يمكن أن نقول ، إن النظرية الماركسية تقترب من نظرية القوة من حيث أن الدولة هي أداة إكراه و أن استمرارها متوقف على تملكها لقوة عسكرية كافية للدفاع عن نفسها .
2) النظريات العقدية ( نظرية العقد الاجتماعي ) :
تنطلق هذه النظرية على أساس أن الدولة ظاهرة إرادية قامت نتيجة اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الناس فضلوا الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني و السياسية مع ما نتج عن ذلك من قيام سلطة سياسية و تنازل المواطنين عن كل أو بعض حقوقهم الطبيعية . و نجد جذور هذه النظرية في الفكر الكنسي الوسيط و في الفكر الإسلامي . و هناك ثلاث مفكرين اختلفوا في تقييم العقد الاجتماعي و هم :
أ- توماس هوبز Thomas Hobbes 1588-1679 :
يرى هوبز أن الإنسان ليس اجتماعيًا بطبعه بل هو أناني محب لنفسه لا يعمل إلا بالقدر الذي تتحقق معه مصالحه الشخصية ، و كانت القوة هي السائدة في العلاقات بين الأفراد إلا أن الإنسان أدرك وجوب الانتقال من حالة الفوضى إلى حالة الاجتماع المدني ، فتولدت ضرورة التعاقد لدى الجميع على أن يعيشوا معا تحت رئاسة واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية و يكلون له أمر السهر على مصالحهم و أرواحهم ، ونجد أن هذا العقد لا يلزم إلا أطرافه و بالتالي فالملك لا يلتزم بشيء لأنه ليس كرفا في العقد .
(*)
ب- "جون لوك " john Locke 1632- 1704 :
يقول لوك أن حياة الفطرة لم تكن فوضى و اضطراب بل كانت حياة سعادة في ظل قانون طبيعي مستوحى من العقل البشري و الإلهام الإلهي ، لكنها مشوبة بمشاكل و أخطار و لذلك شعر الفرد بضرورة الدخول مع الآخرين في عقد يقم المجتمع لحماية حقوقه ، لذلك كان العقد الاجتماعي بين الشعب من جانب و الحاكم من جانب آخر و لم يتنازل فيه الأفراد عن كل حقوقهم بل فقط القدر اللازم لإقامة السلطة ، و بالتالي أصبحت سلطة الحاكم مقيدة و أن الشعب ملزم بواجب الطاعة تجاه الحاكم طالما انه يعمل في الحدود التي رسمها العقد فإذا جاوزها إلى غيرها كان للشعب حق مقاومته بل و عزله من منصبه .
(*)
ج- جان جاك روسو jean jack Rousseau 1712-1778:
لقد غالى روسو في وصف حالة الإنسان البدائية حيث اعتبرها مليئة بالسعادة و الخير و الحب و الانتقال إلى حالة الاجتماع المدني كان بهدف الارتقاء و تجنب بعض العقبات التي اعترضت وجوده في سبيل المحافظ على حياته . الحل عند روسو هو في تنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله التي هي الإرادة العامة ، فالإرادة العامة هي صاحبة السيادة و هي عبارة عن مجموعة الأفراد و انطلاقا من ذلك يطرح روسو مفهومه للحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب الممثل بالإرادة العامة . و لذلك رفض روسو وجود سلطات تشريعية و تنفيذية مستقلة عن سلطة الشعب ، فالشعب هو الذي يشرع و الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي ينفذ إرادة الشعب . و بالتالي فهنا تحدث عملية التعاقد بين الأفراد فقط و لكن على أساس أن لديهم صفتين كأفراد طبيعيين ثم كأعضاء في الجماعة السياسية ، وان الأفراد تنازلوا عن كل حقوقهم دون تحفظ ، وان الأفراد يكتسبون حقوق جديدة كبديل عما تنازلوا عنه من حقوق .
(*)
رابعًا : الدولة في الإسلام
1. مفهوم الدولة في الإسلام :
إن مفهوم الدولة في الإسلام لا بدَّ لها من:
- وجود خليفة (حاكم) مسئول عن إدارة شئون الأمة وحماية الدين وإقامة الجهاد.
- قاعدة الشورى واحترام إرادة الأمة.
- وحدة الأمة والخضوع لسلطان الإسلام.
وهذه أسس أصيلة ومبادئ ثابتة لا يمكن الحيد عنها أو تجاهلها مع اعتبار أن إرادة الأمة وأهل الشورى يجب أن يدوروا مع الشرع أينما دار، فلا رأي لهم ولا قرار إلا فيما لا نصَّ فيه ، واجتهادهم فقط في المستحدث من الأمور التي تحتمل الاجتهاد، وهذا أغلب ما تدور عليه حياة الناس، وهو ما يحكم المشرع والمنفذ.
(*)
2. الدولة في القرآن والسنة :
إذا أردنا الحديث عن الدولة في الإسلام ، لابد هنا من الوقوف على الأصول المتمثلة في الكتاب والسنة لنستنبط منها المبادئ التي قامت عليها ، وأبعادها وضماناتها التي حددها وشرعها الإسلام .
1) القرآن الكريم :
§ قال تعالى :} مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { سورة الحشر : الآية 7 .
§ قال تعالى : } إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { سورة النور : الآية 51 .
§ قال تعالى : } وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ { سورة النحل : الآية 89 .
§ قال تعالى : } أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {سورة الأنعام : الآية 114 .
§ قال تعالى : } ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {سورة الجاثية : الآية 18 .
§ قال تعالى : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا {سورة النساء : الآية 58 .
§ قال تعالى : } كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {سورة البقرة : الآية 213 .
§ قال تعالى : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {سورة النساء :الآية 65 .
§ قال تعالى : } وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ا لنَّاسِ لَفَاسِقُونَ {سورة المائدة : الآية 49
§ قال تعالى : } إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا {سورة النساء : الآية 105 .
2) السنة النبوية الشريفة :
وتأتي السنة المصدر الثاني للإسلام بعد القرآن ‘ وهي كل ما يصدر عن الرسول ( ص ) من قول أو فعل أو تقرير ) مفصلة لآيات القرآن بشأن تنظيم السلطة السياسية وطاعتها ومقاومتها إن هي جارت ‘ ومن ثم تأتي " السنة " مفصلة لعلاقات الأمر والطاعة في المجتمع المسلم . كذلك فإن السنة تؤكد أيضاً علي التزام الحاكمين والمحكومين بأحكام وقيم وأهداف الإسلام التي تحددت في الكتاب والسنة معاً .
(*)
ý قال الرسول (ص) : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه ) " أخرجه مالك في الموطأ " .
ý قال الرسول (ص) : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم " " لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض الإ أمروا أحدهم ) " أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده " .
ý قال الرسول (ص) : ( من مات وليس له إمام ‘ مات ميتة جاهلية )" أخرجه مسلم في صحيحة " .
ý وقال ( ص ) فيمن يجاهد لا في سبيل الحق وإنما لمحض التعصب لقوم دون قوم وفيمن يثور علي الجماعة دون مبرر إلا تهديد كيان وحدتها : ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ‘ مات ميتة جاهلية ‘ ومن قاتل تحت راية عميه يغضب لعصبة أو يدعو إلي عصبة أو ينصر عصبة فقتل ‘ فقتلة جاهلية ‘ ومن خرج علي أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشي من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه ) "أخرجه مسلم في صحيحه ‘ والنسائي في سننه ".
ý قال الرسول (ص) : ( يا أيها الناس أتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله ) "أخرجه مسلم والبخاري في صحيحيهما " .
ý قال الرسول (ص) : ( السمع والطاعة علي المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) . "أخرجة مسلم والبخاري في صحيحيهما ‘ والنسائي في سننه " .
ý قال الرسول (ص) : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته . والإمام راع ومسئول عن رعيته..) " أخرجه أيضاً مسلم والبخاري في صحيحيهما ‘ وأحمد في مسنده " .
ý قال الرسول (ص) : ( ما من عبد يسترعه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ). "أخرجه كذلك مسلم والبخاري في صحيحيهما ‘ وأحمد في مسنده "
(*)
ويعد "عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) " نموذجاً آخر ممكن يلتزمون ( التزاماً شديداً ) في قراراتهم الكتاب والسنة ‘ فكان عمر يصارح الناس في خطبه وأحاديثه ‘ أن له عليهم حق الطاعة فيما أمر : " يا معشر العرب إنه لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ‘ ولا إمارة إلا بطاعة " .(*)
3. نظريات نشأة الدولة في الإسلام :
درج الفقهاء على وصف نظريات نشأة الدولة بأنها نظرياتٌ دينيةٌ، مع أن المعنى الحرفي للمصطلح الفرنسي لا يعني النظريات الدينية بل يعني النظريات التي تَنسِب السلطة إلى الله.
يرجع أنصار هذه النظرية أصل نشأة الدولة وظهور السلطة إلى الله ، وعليه فأنهم يطالبون بتقديسها لكونها من صنعه وحق من حقوقه يمنحها لمن يشاء،
فالحاكم يستمد سلطته وفقا لهذه النظرية من الله ، وما دام الأمر كذلك فإنه يسمو على المحكومين نظرا للصفات التي يتميز بها عن غيره والتي مكنته من الفوز بالسلطة ، لذلك فإن إرادته يجب أن تكون فوق إرادات المحكومين.
والحقيقة أن المتتبع للتاريخ يلاحظ أن هذه النظريات لعبت دورا كبيرا في القديم ، فلقد قامت السلطة والدولة في المجتمعات القديمة على أسس دينية محضة ، واستعملت النظرية الدينية في العصر المسيحي والقرون الوسطى .
ولم تختف آثارها إلا في بداية القرن العشرين ، والسبب يعود إلى دور المعتقدات والأساطير في حياة الإنسان ، حيث كان يعتقد أن هذا العالم محكوم بقوى غيبية مجهولة يصعب تفسيرها ، وهو ما ترك البعض إضفاء صفة القداسة على أنفسهم وإضفاء صفة الإلهية عليهم .
وبمرور الوقت بدأ الاختلاف بين أنصار هذه النظرية حول طريقة اختيار الحاكم ، وان كانوا متفقين على أن السلطة لله ، مما أدى إلى ظهور ثلاثة اتجاهات :
(1) نظرية تأليه الحاكم :
وَجدت هذه النظرية مجالاً رحْبًا في العصور القديمة؛ حيث تأثر الإنسان بالأساطير، فظن أن الحاكم إلهٌ يُعبَد.. ففي مصر الفرعونية كان فرعون هو الإله ( رع )، وقد سجَّل القرآن الكريم قول فرعون في قوله: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ سورة القصص: من الآية 38 وقوله تعالى: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى ﴾ سورة النازعات : الآية 24 ، وفي بلاد فارس والروم كان الحاكم يصبغ بصبغة إلهية ، وفي الهند القديمة، فإن لبراهما يعتبر شبه إله .
(2) نظرية الحق الإلهي المقدس المباشر :
تعني هذه النظرية أن الحاكم ليس إلهًا ولا نِصْفَ إله, ولكنه بشرٌ يحكم باختيار الله عز وجل، فالله الذي خلق كل شيء وخلق الدولة، هو الذي يختار الملوك مباشرةً لحكم الشعوب، ومن ثَمَّ فَمَا على الشعب إلا الطاعة المطلَقة لأوامر الملوك، ويترتب على ذلك عدم مسئولية الملوك أمام أحد من الرعية، فللملك أن يفعل ما يشاء دون مسئولية أمام أحد سوى ضميره ثم الله الذي اختاره وأقامه.
فمن نتائج هذه النظرية أن الحاكم لا يكون مسئولا أمام أحد غير الله، وبالتالي منه يستمد سلطته. أما من حيث الأساس فإنها تختلف عن الصورة الأولى، ففي فكرة تأليه الحاكم لا توجد تفرقة بين الإله وشخص الملك، عكس فكرة الحق الإلهي المقدس حيث توجد بها هذه التفرقة وهذا راجع لدواعي تاريخية.
وقد سادت هذه النظرية أوروبا بعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين الدينَ المسيحيَّ, فخرج رجال الدين على الناس بهذه النظرية؛ وذلك لهدم نظرية تأليه الحاكم من ناحية, ولعدم المساس بالسلطة المطلقة للحاكم من ناحية أخرى.
(3) نظرية الحق الإلهي الغير المباشر :
لم تعد فكرة الحق الإلهي المباشر مستساغةً من الشعوب, ومع ذلك لم تنعدم الفكرة تمامًا, وإنما تطوَّرت وتبلورت في صورة نظرية التفويض الإلهي الغير المباشر أو العناية الإلهية, ومؤدَّى هذه النظرية أن الله لا يتدخل بإرادته المباشرة في تحديد شكل السلطة, ولا في طريقة ممارستها, وأنه لا يختار الحكَّام بنفسه وإنما يوجِّه الحوادث والأمور بشكلٍ معيَّن يساعد جمهور الناس ورجال الدين خصوصا على أن يختاروا بأنفسهم نظام الحكم الذي يرتضونه ويذعنون له وهكذا، فالسلطة تأتي من الله للحاكم بواسطة الشعب والحاكم يمارس السلطة باعتبارها حقَّه الشخصي، استنادًا إلى اختيار الكنيسة الممثلةً للشعب المسيحي؛ باعتبارها وسيطًا بينه وبين السلطة المقدسة التي تأتي من لدن الله.
والنتيجة المتوصل إليها أنه لا يجوز مخالفة أوامر الحاكم، وإلا ارتكبنا معصية.
وفي صياغة أخرى ترى الكنيسة الكاثوليكية في محاولة لبسط نفوذها، أن الله أودع جميع السلطات بيد البابا وهو ترك سيف السلطة الدينية، وخلع للحاكم سيف السلطة الزمنية، وبذلك لم تعد سلطة الحاكم مطلقة.....
وفي الأخير إن هذه النظرية يمكن اعتبارها ديمقراطية نوعا ما أو مطلقة بحسب صياغتها.
4. " نماذج لمفكرين الإسلام :
1. ابن خلدون وتحليله لمفهوم الدولة (نص ابن خلدون) :
إن ما ينطلق منه ابن خلدون في تصوره لطبيعة السلطة السياسية قد يختلف تماما عن ما ذهب إليه مكيافيللي في تصوره السالف الذكر، فما مضمون تصور ابن خلدون للسلطة؟
في تحليل ابن خلدون لمفهوم الدولة وكيف ينبغي للدولة ان تكون وما يجب ان تقوم عليه العلاقة بين السلطان والرعايا،يذهب إلى انه لا يمكن للرعية ان تستغني عن السلطان ولا للسلطان أن يستغني عن الرعية، فالعلاقة جدلية بينهما فالسلطان هو من له رعية، والرعية هي من لها سلطان. وهذه العلاقة هي نموذج السياسة المثلى التي تقوم على الاعتدال،وإذا كانت هذه الملكة( الاعتدال) تقوم على الرفق والحكمة حصل المقصود بين السلطان ورعيته .أما إذا كان السلطان على بطش وعقاب فسدت هذه الملكة وحل الذل والمكر محل هذا الرفق، فحسن الملكة بين السلطان ورعيته هو التوسط و الاعتدال، بمعنى لا إفراط في الشجاعة والكرم حتى التهور وبالتالي الانحلال ، ولا إفراط في الجبن و البلادة حتى الجمود. فهذا يتنافى و الصفات الإنسانية حسب ابن خلدون؛ فالحاكم والسلطان هو من يحكم رعاياه باعتدال و توسط وليس الدخول معه في صراع وتحايل ومكر وخداع .
فقد أكتشف ابن خلدون أن الناس كانوا يتعرضون للتعسف والظلم باسم كل أنواع المثاليات والأفكار فسعي للكشف عن السبب الكامن وراء هذا الوضع . وقد عثر علي ضالته فيما سماه الأسباب " الطبيعية " ( أو " الاجتماعية " حسب تعبير العلم الحديث ) . فالمجتمع الإنساني ‘ الذي يقوم علي الأسرة الممتدة أو العشيرة يتجه ضرورة إلي إنشاء وحدات اجتماعية تقوم علي العصبية ( أي التماسك العشائري ) ‘ والعصبية هي الرباط الذي يحفظ تماسك الوحدات الاجتماعية يشكل من ثم أساس السلطة السياسية .
ويري ابن خلدون أن السلطة السياسية ضرورية لإدارة شؤون المجتمع والمحافظة علي نظامه ‘ ويتولاها بالضرورة أقوي فرد أو مجموعة في ذلك المجتمع .
وتختلف السلطة السياسية الرسمية ( الدولة أو الملك حسب تعبير ابن خلدون ) عن السلطة العرقية ( الرياسة ) إذ أن الأولي تكون علي مستوي أعلي وتشتمل علي القهر ضرورة . ولكن الملك هو الغاية التي تنتهي إليها كل عصبية حتما ‘ لان العصبيات المتجاورة إما أن تتقاتل وتتمزق وإما أن تدخل في حكم عصبية غالبة .
وهكذا نجد نسقا مضطردا في الوجود الإنساني ‘ حيث يميل الأفراد للتلاحم في مجموعات تقوم علي النسب ‘ وتتبع في ذلك زعيما قبليا تكون عشيرته هي الأقوى والأرفع مكانة في القبيلة ‘ وهذا بدوره يقضي إلي قيام الدولة القاهرة التي تتزعمها أقوي العشائر ‘ وتتجه الدولة بالضرورة للتوسع وضم الأقاليم والجماعات الأضعف إلي سلطانها . وهذا التوسع تحكمه قوة العصبية المؤسسة للدولة ‘ فالدول " العامة الاستيلاء العظيمة الملك "
( أي الإمبراطوريات ) تحتاج إلي عصبية غالبة . كما أنها تتطلب أيديولوجية موحدة ‘ هي الدين أو دعوة الحق .
وأخيرًا فان الدولة لابد أن تواجه ضرورة عوامل التآكل ثم الانهيار حيث تحل محلها دولة جديدة أكثر ثباتا وحيوية غالبا ما تنشأ علي يد مجموعة بدوية .
(*)

2. الفارابي
* ومدينته الفاضلة :
يرى " الفارابي " أن الإنسان مدني بطبعه . وأنه بفطرته محتاج من الناحيتين المادية والمعنوية إلى أشياء كثيرة ، ليس في وسعه أن يستقل بأدائها ، أو ينفرد بالقيام بها ، بل هو محتاج إلى عمل كل فرد في مجتمعه . ذلك كله من أجل تحقيق الغاية القصوى عنده أو بمعنى آخر الكمال المطلق وهو " السعادة "، فالسعادة عند الفارابي هي أفضل الكمالات؛ لأنها تتصل بأفضل القوى الإنسانية وهى القوة العاقلة . فالفارابي هنا يريد أن يقرر أن السعادة نفسها لا ينالها الإنسان إلا بالتعاون وخاصة التعاون الفكري . و لا يمكن أن ينال الإنسان الكمال الذي تتجه إليه فطرته إلا باجتماع أفراد كثيرين، يقوم كل منهم ببعض ما يحتاج إليه الآخرون في شئونهم المادية والمعنوية ، وتحقيقاً لهذا الغرض كثر الأفراد واستقروا في أنحاء الأرض متكتلين في طوائف متعاونة العناصر ، فتكونت منهم المجتمعات
(*) .

هذه المجتمعات منها " الكاملة " ومنها " غير الكاملة " ، يقسم المجتمعات الكاملة إلى ثلاثة : عظمى ، ووسطى ، وصغرى ، العظمى هي العالم كله ، والوسطى هي الأمة ، والصغرى هى المدينة .. أما المجتمعات غير الكاملة فهي من قبيل المحلة والقرية
(*) . ولكن موضوع الفارابي هو المجتمعات الكاملة ، ولكنه أهمل القسمين الأولين من هذه المجتمعات وقصر كلامه على اجتماع المدينة وذلك لسببين :
الأول : أن اجتماع العالم بأكمله على الصورة التي ذكرها هو اجتماع مثالي ، ولكنه متعذر التحقق .
الثاني : أن المدينة هى الخلية الأولى للمجتمعات الكاملة ، فبصلاحها تصلح هذه المجتمعات وبفسادها تفسد المجتمعات . فالحديث عن المدينة الفاضلة والشروط التي يجب أن تتوافر فيها هو ما سوف نعرض له
(*) .
يشبه الفارابي المدينة الفاضلة بالبدن الصحيح الذي تتعاون أعضاؤه كلها، ولما كان البدن عضوًا رئيسًا هو القلب ، وهناك أعضاء أخرى أقل خطورة ، فكذلك المدينة أجزاؤها مختلفة الفطرة، وفيها إنسان هو رئيس وآخرون تقرب مراتبهم من الرئيس . ورئيس المدينة وهو بمثابة القلب للبدن – ينبغي أن يكون أكمل جزءًا
(*) .
يرى الفارابي أن الروابط التي تجمع أهل المدينة الفاضلة متعددة ومتباينة ، منها : رابطة النسب إلى جد واحد ، أو رابطة التناسل والمعاهدة ، وهناك رابطة الإيمان الواحد ، ثم روابط التشابه الخلق واللسان الواحد ، ثم هناك الرقعة الأرضية الواحدة التي تربط بين أهليها ، والاشتراك في لذة ما .
وإن حدث وقامت مدينة ما بقهر مدينة أخرى ، فليس أمام المقهور من خيار إلا أن يتنازل عن بعض الحقوق ليسلم ببدنه ، وأما أنه يهلك ، ثم ينفرد القاهر بالوجود ويذل الطائفة المقهورة ويستعبدها
(*) .
تحدث الفارابي أيضاً عن مآل النفوس لأهل المدينة بعد الموت ، فإما الخلود في النعيم ، وإما الشقاء ، وإما الهلاك والعدم
(*) .
وأخيراً فإن الفارابي وغيره من الفلاسفة قد مهدوا الطريق لنشر الأفكار الحرة في العالم الإسلامي ، وشجع الناس على المجاهدة والسعي نحو تحقيق السعادة والسلام والأمن لكل المجتمع ، فهذا ما تسعى إليه البشرية منذ قديم الأزل .
5. مضمون " هدف الدولة " في الإسلام :-
إن إقامة المجتمع الإسلامي بكل معالمه التي تحددت في الكتاب والسنة كهدف نهائي للدولة الإسلامية يقتضي تحقيق هدفين هما : إقامة الدين ‘ وتحقيق مصالح المحكومين . هذا ولئن كان هدف الدولة في الإسلام يتمثل أساساً في أقامة الدين ونشر الدعوة فلا يعني هذا أن عمل رئيس الدولة لا يتعلق بمصالح الأفراد ‘ فالرئيس يعني بهذه المصالح سواء تعلقت بمسلمين أو بغير مسلمين في المجتمع الإسلامي . إن الشريعة الإسلامية في جملتها جاءت لتحقيق مصالح الناس ‘ وما من حكم بها إلا وبقصد به مصلحة خاصة أساسها المحافظة علي النفس أو العقل أو العرض أو المال أو الدين إلا أن تقرير هذه المصلحة وكيفية تحقيقها يكون وفقاً للقيم الإسلامية التي يكون الهدف من الخلافة ( رئاسة الدولة ) أقامتها ونشرها علي مستوي المجتمع المسلم الكلي .
(*)
هدف الدولة في الإسلام " ذو مضمونين " : أولهما : إقامة الدين ‘ وثانيهما : تحقيق مصالح المحكومين . أما عن إقامة الدين فهو الهدف الأساسي الذي يجب أن تلتزم به الدولة الإسلامية . إنه مبرر وجودها وسر تميزها عن غيرها من الدول . بل إن الجماعة المسلمة التي تشكل في تجمعها السياسي صورة الدولة ‘ لا يجمع بين أفرادها إلا صفة الإسلام .
هذا ولا تتم إقامة الدين بالقوة ( بالسلطة ) فلا قيام للدين إلا بها . ذلك أن الدين والسلطة توأمان لا ينفصلان ‘ ومن هنا أجمع الفقهاء علي وجوب قيام السلطة في المجتمع .
وبصدد المضمون الثاني لهدف الدولة في الإسلام : " تحقيق مصالح المحكومين " فإنه إذا كان هدف إقامة الدين من الأهمية بمكان علي أساس أنه الغاية والهدف الأساسي للدولة الإسلامية ‘ فإن هدف تحقيق مصالح المحكومين ( من المسلمين وغير المسلمين ) يحتل مكاناً من الأهمية يجعله يقف جنباً إلي جنب مع إقامة الدين ‘ " ذلك أن الله سبحانه وتعالي قد رتب علي طاعته واجتناب معصيته مصالح الدارين : الدنيا والآخرة . وكما يترتب علي الطاعة واجتناب المعصية مصالح الفرد الدنيوية والأخروية فإن الحاكم يجب عليه التصرف بما فيه الأصلح للمحكومين لأنه يولي للقيام بجلب مصالح المولي عليهم ودرء المفاسد عنهم " .
(*)
ولقد أوجب الفقهاء هنا علي الحاكم واجبات لتحقيق هدف " تحقيق مصالح المحكومين " منها : تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة وحماية الديار ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين ‘ وتنفيذ الأحكام بين المتنازعين ... الخ .
وانطلاقًا مما تقدم فإن الهدف النهائي للدولة الإسلامية بشتى مؤسساتها إنما ينحصر في إقامة مجتمع إسلامي كما تحددت معالمه ( بكل قطاعاته ) في الكتاب والسنة . وتبعاً لذلك فإن العمل علي تحقيق هذا الهدف من جانب القائمين علي سلطة الدولة هو علي حد تعبير الفقه الإسلامي – كما تقدم – " شرط ابتداء وشرط بقاء " بالنسبة لولايتهم – في معنى أن شرعية السلطة في الدولة الإسلامية مرهونة في قيامها وفي استمرارها بالتزامها بالعمل علي تحقيق تلك الغاية أو ذلك الهدف النهائي للدولة الإسلامية .
(*)
ومن هنا فإذا خرجت سلطة الأمر في الدولة الإسلامية علي مقتضي ذلك الشرط ( إقامة الدين وتحقيق مصالح المحكومين ) انقضت ولايتها ‘ وسقط عن المحكومين واجب الطاعة لها. ولئن قامت سلطة سياسية في مجتمع إسلامي تحت أي ظرف من الظروف ولم تلتزم بتحقيق هذه الغاية فهي سلطة غير شرعية لا يجب علي المحكومين طاعتها . إن الالتزام بتحقيق تلك الغاية هو الحد الأدنى لشرعية السلطة في الدولة الإسلامية . ذلك أن هذا الالتزام هو وحده الكفيل بوجوب طاعة المحكومين لهذه السلطة ‘ وسواء بعد ذلك أأمكنها أن تؤدي ما التزمت به ‘ أم حالت بينها وبين تحقيقه عوامل خارجة عن إرادتها ‘ أو ضرورات كان عليها مراعاتها والخضوع لها ‘ حال انشغال الدولة في حروب خارجية ‘ أو فتنة داخلية ‘ يكون في عدم التصدي لها إضرار بكيان الدولة ذاته أو بالمصالح الحيوية لأفرادها .
ففي مثل هذه الحالات يأتي عدم السعي إلي تحقيق الغاية استناداً لقواعد شرعية عامة ‘ خاصة قاعدتي: " الضرورات تبيح المحظورات " ‘ " ودفع المفسدة مقدم علي جلب المنفعة " . ذلك هو الحد الأدنى لتحقيق الغاية في النظام الإسلامي والأساس الشرعي لذلك .
(*)
6. المبادئ المثالية التي قامت عليها الدولة الإسلامية :
إن الدولة الإسلامية لم تفرض شكلاً من أشكال الحكم محدد التفاصيل فيجرفه الزمن بتبديلات أحواله ، ولم يترك الأمر فيها مهملاً والجو فارغاً لتملأه المصالح والأهواء أو التقاليد الموروثة ، فقد قدم الإسلام للناس مبادئ وقواعد عامة أثبتت تجارب البشرية صلاحيتها ، فكانت خلال تطور الدولة في تاريخ البشرية أهدافاً مثالية تتطلع البشرية إلى تحقيقها وترك التفصيلات الجزئية والتطبيقات العلمية التي يمكن أن تحتملها هذه المبادئ والقواعد لاجتهاد البشر حسب اختلاف أطوارهم وبيئاتهم وأحوالهم.
(*)
فالمبادئ التي تقوم عليها الدولة الإسلامية هي : " البيعة – الشورى – العدل – المساواة – الحرية – المسئولية " فأي دولة تتوافر فيها هذه المبادئ الستة ، كلما كانت أكثر النظم واقعية ، وأجدرها بالبقاء والاستمرارية .
1- البيــعة
(*) " Beiaa " :
البيعة هي ميثاق الولاء للنظام السياسي الإسلامي، و إلتزام جماعة المسلمين به والطاعة لإمامهم . وهى تقليد إسلامي أثر عن الرسول(ص) وتمثل في بيعتي العقبة الأولى والثانية ، وكذلك في بيعة الشجرة
(*)
وردت البيعة أيضا في القرآن الكريم ، قال تعالى :[ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ] سورة الفتح : الآية 10 .
2- الشــورى
(*) " Shura " :
تعد الشورى ركيزة أساسية في بناء الدولة الإسلامية، بل هى من أُسس الحكم في الإسلام، ومن أبرز خصائصه؛ فالشورى تحتل مكان الصدارة في المبادئ التي جاء بها الإسلام، وأرسى دعائم دولته .
ولأهمية الشورى في حياة الأمة، سمى الله تعالى سورة في القرآن الكريم باسم الشورى ، حيث تعطي الأمة الحق في إدارة شئونها العامة ، وتمثل ضمانة أساسية تحول دون مخالفة القانون أو الانحراف في استعمال السلطة ، فمن حق كل فرد في الأمة أن يعلم بما يجري في حياته ، من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة .
الشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، ومن حق الأمة أن تختار حكامها، بإرادتها الحرة، تطبيقاً لهذا المبدأ، ولها الحق في محاسبتهم إن حادوا عن شريعة الله .
3- العـدل والعـدالـة " Justice " :
إن العدل مبدأ أصيل في الإسلام ، جعل له الإسلام مكانة ، حيث يقول الله تعالى :
]إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا[ سورة النساء : الآية 58.
" كما أن العدل أحد أسماء الله سبحانه ، وهو أساس الشريعة الإسلامية ، وإذا كان العدل أصلاً ومصدراً وغاية ، فهو في نفس الوقت تشريع وتنفيذ ووسيلة ، وإذا كان التشريع يستمد من الأصل فإن التنفيذ لابد وأن يحمل نفس السمات ، وكلها تنبع وتصب في مجرى العدل ، وإذا كان العدل غاية يهدف إليها التشريع الإسلامي فإن وسيلته إلى تحقيق ذلك هو العدل ذاته "
(*) .
4- المسـاواة " Equality " :
فقد ساوت الرسالة المحمدية بين الناس جميعا مساواة مطلقة ، بين الأفراد والجماعات ، وبين الأجناس والشعوب ، وبين الحكام والمحكومين ، وبين الولاة والرعية ، فلا قيود ولا استثناءات ، ولا فرق في التشريع بين عربي وعجمي ، ولا بين أبيض وأسود ، ولا بين حاكم ومحكوم ، وإنما التفاضل بين الناس بالتقوى ، والتقوى تجمع بين الإيمان والعلم والفضائل .
قال تعالى : [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ] سورة الحجرات : الآية 13 .
5- الحرية: "Liberty" :
إن الحرية في الإسلام أصل عام، فلا توجد حرية من الحريات لا يعرفها الإسلام ولا توجد حرية تدعو إليها الحاجة مستقبلاً ويقف الإسلام عقبه في سبيل التمتع بها ومزاولتها. حرية الإنسان محترمة ـ كحياته سواء ـ والناس أحرار في الأصل ، خلقهم الله على الفطرة، عبوديتهم لله وحده ، ليس لأحد أن يعتدي عليها، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا وفقًا لإحكام الشريعة، وبالإجراءات التي تقرّها ، ومن أبرز الحريات التي أعلنها الإسلام:
- حرية العقيدة "Freedom of Faith" قال تعالى :[ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ] سورة البقرة : الآية 256 .
- حرية الرأي: "Freedom of Opinion" عن أبي إمامة رضي الله عنه قال "سئل رسول الله (ص): أيّ الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر".
- الحرية الشخصية "Personal Freedom" حيث كفل الإسلام لكل من يقيم على إقليم دولته العناصر الأساسية للحرية الشخصية كما يعرفها القانون الدستوري الحديث ، وهي حرية التنقل وحق الأمن وحرمة المسكن.
- حرية التعليم: "Freedom of Education" يجعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم، كما رفع الإسلام من قدر العلماء ووجب على الحكومة الإسلامية نشر العلم والقيام على أمره وتمكين الجميع منه.
- حرية أو حرمة الملكية "Freedom of Property" أقر الإسلام حق الملكية الفردية – بوسائل التملك المشروعة – وجعلها قاعدة نظامه ورتب على هذا التقرير نتائجه الطبيعية في حفظ هذا الحق لصاحبه وصيانته من السرقة أو النهب أو السلب أو الاختلاس بأي طريقة من الطرق .
(*)
6- المسئولية "Responsibility" :
وإذا كانت الولاية أمانة في الإسلام، وكل مؤتمن مسئول عما ائتمن عليه لدى صاحب الحق فالإمام – أو رئيس الدولة – إلى جانب مسئوليته أمام الله ، مسئول عما ائتمن عليه
(*).
حيث قال تعالى: [ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ[. سورة ص : الآية 26 .
لا يؤخذ إنسان بجريرة غيره فكل إنسان مسئول عن أفعاله ولا يجوز أن تمتد المُسَاءلة إلى ذويه من أهل وأقارب
قال تعالى : [مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ] سورة فاطر : الآية 18 .



خامسًا :الدولة في الغرب :
· إشكالية : نشأة الدولة الحديثة الغربية المعاصرة :
المعضلة التي تطرحها الدولة الحديثة تنطلق أساسا من طبيعتها المتجردة من البعد الأخلاقي إلي درجة كبيرة . فالدولة الحديثة هي رابطة تقوم أساسا علي اعتبارات المصلحة الوقتية ولا تعترف بقيم أزلية ثابتة .
هاري اكستاين يقول أن :
" الدولة كانت استجابة وظيفية للانهيار الشامل للمجتمع الذي كان يوما متكاملا ... وكبديل للقيم المعتادة والسلطات الأميرية التي كانت لا تزال جزءا لا يتجزأ من المجتمع ‘ جاءت أفكار ميتافيزيقية ذات بعد عقلاني زائف وطبيعة لاهوتية زائفة أيضاً ‘ بالإضافة إلي فكرة الدولة ذات السيادة باعتبارها المبدأ الاسمي للمجتمع المتحرر من الأعراف ... ويعكس الإحساس بالتفرد والعزلة الذي تولده الدولة التحلل والانفصام الذي أصاب الحياة الاجتماعية وما يصاحب ذلك من شعور بفقدان الدولة في عالم الحداثة غير الطبيعي والمتجرد من القيم والرافض للإلوهية ‘ تصبح هذه الدولة وفكرتها وهما ضروريا وإن يكن مثيرا للشفقة إلي حد ما "
(*)


والذي يعيب هذا الوضع في نظر ايكستاين هو :
" فقدان الإحساس بالتكامل والتمام في الدولة المعاصرة المتطورة – فقد كان هذا الإحساس يأتي للمجتمع السياسي السابق للحداثة من فكرة الدين أو الإمبراطورية أو الاعتقاد في نظام طبيعي للأشياء . كل هذه المفاهيم كان يمكن ان تعتبر كلمات جليلة مهيبة في ميزان العرف ‘ وبالنسبة للمجتمع الأخلاقي . أما الآن فلم يبق لنا شيء مهيب سوي الدولة " .
(*)
وهكذا بنيت الدولة الحديثة علي هذا الفراغ الأخلاقي وانطلقت تخلق في داخلها قيمها الخاصة بها " منطق الدولة " الذي مثل اعتبارات تعلو علي كل قيمة أخلاقية باسم " مصلحة الدولة العليا " . ففي البداية جري تجميع البشر ليس علي أساس المبادئ بل علي أساس المنفعة الذاتية ‘ ثم أصبح عليهم بعد ذلك أن يقبلوا حكم المصلحة الذاتية الجماعية للمؤسسة الجديدة التي خلقوها .
· مفهوم الدولة في الغرب : State
إذا نظرنا إلى مفهوم الدولة بالمعنى الغربي لها فإننا سنجد اختلافًا كبيرًا عن المعنى الذي وجدناه عند العرب ، فهي هناك مؤسسات ونظام اجتماعي واقتصادي وسياسي ثابت ، لا يزول بزوال نظام الحكم القائم ، ويظهر ذلك من المعنى المعجمي STATE أي الدولة ، وهذه الكلمة تعني الحالة الثابتة المستقرة ، وهذا يؤشر إلى اختلاف مفهوم الدولة عند الغرب عنه عند العرب .
إن الدولة بالمفهوم الغربي " State " تعني حالة من الاستقرار والبناء المؤسسي الذي شارك الشعب في إنتاجه ، والحكومة لا تعني سوى مجموعة من الأشخاص يخولهم الشعب لإدارة موارد الدولة ، وحماية أفرادها ، وسياسة أمورهم على الوجه الأفضل ، وهم معرضون للمساءلة والمحاسبة عن أي تقصير أو خطأ يقترفونه ، وليس هناك شخص فوق سلطة القانون وإرادة الشعب . وإذا كان هذا المفهوم قد استقر في وعي الإنسان الغربي ، وشكل أفكاره عن دولته فإن ذلك يعني أن كل فرد من أفراد الشعب مسئول عن إنجازاته من موقعه ، وانتمائه يتشكل ضمن هذا المفهوم ، وولاؤه يكن لإرادته وليس لجبروت حاكمه .
(*)
· " هدف الدولة في النظم والدساتير الغربية المعاصرة " :.
تهدف إلي أمرين :-
أولهما : تدعيم سلطة الأفراد قبل الحاكمين .
ثانيهما : تقييد سلطة الحكام قبل المحكومين .
وكلا الأمرين يهدف في النهاية إلي " حماية وصيانة حقوق وحريات الأفراد " ‘ والتي هي هدف الدولة في الغرب .
وبصدد تدعيم سلطة الأفراد قبل الحاكمين : فإن ذلك يتأتي من ثنايا تخويل الأفراد حقوقاً تقف بها في وجه السلطة ‘ وعلي رأس هذه الحقوق ( كما تقدم ) " حق مقاومة الجور " . ورغم أن هذا الحق نادت به الإعلانات الثورية ‘ إلا أن الدساتير الغربية التي قامت فيما بعد راحت تحرم مزاولته تحريما مطلقاً .
أما عن تقييد سلطة الحكام قبل المحكومين في الغرب : فإن الوسائل التي تكفل هذا التقييد إما أن تكون عن طريق إضعاف سلطة الحكام . وإما أن تقيد سلطتهم عن طريق تقوية المحكومين‘ ومن أهم وسائل تقييد سلطة الحكام ( عن طريق تقوية المحكومين ) قيام النظم التي تكفل للمحكومين حقوقهم وحرياتهم . وكما تقدم فإن هدف أي نظام سياسي في الغرب ينحصر في " حماية وصيانة حقوق وحريات الأفراد " ‘ ومن ثم فهو مقيد بإعمال هذا الهدف.
وبالنسبة لتقييد سلطة الحكام عن طريق إضعافها فإن بعض طرق اختيار الحكام وصور كيان الحكومة يضعف من سلطة الحكام ‘ وبالتالي يقوي من حريات المحكومين ‘ ومن أهم هذه الصور وتلك الطرق ‘ وتعيين الحكام بالانتخاب ‘ ونظم الفصل بين السلطات . فتعيين الحكام بواسطة المحكومين عن طريق الانتخاب ولمدة معينة يجعل هؤلاء الحكام يترددون في الطغيان علي حريات الأفراد حتى لا يفقدوا ثقتهم بهم فلا يعاد انتخابهم ‘ وهكذا تضعف طريقة تعيين الحكام بالانتخاب من سلطتهم ‘ مما يقوي من حريات الأفراد . أما نظام الفصل بين السلطات فإنه يحول دون التعسف في استعمال السلطة إذا ما تجمعت كلها في يد هيئة حاكمة واحدة مما يدعم أيضاً من حريات الأفراد .
· غاية الدولة لدى فلاسفة الغرب :
1- غاية الدولة تحقيق السلم .( نص هوبز)
لقد جعلت الطبيعة الناس أحرارا و متساويين ؛ غير أن هذا التساوي لا يتحقق مع حالة الطبيعة التي تقوم على أساس الحرب الدائمة والفوضى و الخوف ،وهذا ما يؤدي إلى فناء الجنس البشري .ولذلك كان من الضروري أن يبحث الإنسان عما يساعده على تحقيق الأمن والاستقرار والسلام .لقد اعتبر هوبز حالة الطبيعة حالة حروب و نزاعات بين الأفراد وهي ما سماها بحرب الكل ضد الكل ، لذلك كان لزاما وقف استشراء العنف والانتقال بالتجمع البشري إلى مجتمع الدولة المنظمة . والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الانتقال هو التعاقد الاجتماعي الذي يضمن السلم والأمن بوجود حاكم يكون خارج هذا العقد حيث يتنازل الأفراد برضاهم عن بعض حقوقهم الطبيعية لفائدة الحاكم قصد تحقيق المنفعة العامة . وهذا التوافق بين الشعب و الحاكم أدى إلى نشوء الدولة . والحاكم في نظر هوبز لا يمكن أن يأتي بتصرف يخالف المصلحة العامة لأنه بعيد عن الوقوع في الخطأ و بالتالي يفرض تصور هوبز الخضوع التام لهذا الحاكم .
هوبز هو أول من عرف الدولة على أنها " شخص " . فقد وجد ذلك أمرًا ضروريًا للأسباب التالية :
طالما أن الإلزام المشروع الوحيد هو الإلزام الذاتي ، فإن حرية الإنسان في حالة الطبيعة لابد أن تخضع للحكومة بصورة ما ، وذلك لن يتحقق إلا عن طريق الأوهام التي تقول إن تشريع صاحب السيادة هو تشريع ذاتي للرعية . و عن طريق هذا الاتحاد لقوى وملكات كل واحد من الرعية يستطيعون الدفاع التام والمحافظة على السلام العام .
(*)
2- غاية الدولة هي الحرية.( نص اسبينوزا)
يشير اسبينوزا في هذا النص إلى أن الغاية التي أنشئت من أجلها الدولة هي حماية حرية الأفراد و سلامتهم وفسح المجال أمام طاقاتهم و قدراتهم البدنية و العقلية والروحية .إن تحقيق هذه الأهداف (الأمن،الحرية ...) يقتضي تنازل الفرد عن حقه في أن يسلك كما يشاء .ومقابل هذا التنازل يتمتع الأفراد بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم و أفكارهم مع بقائهم متمتعين بهذا الحق مادام تفكيرهم قائما على مبادئ العقل واحترام الآخرين و أيضا ما دام الفرد لم يقم بأي فعل من شانه إلحاق الضرر بالدولة.
(*)
3- الدولة تجسيد للعقل (هيجل):
ينطلق هيجل من محاولة إبراز قصور التقليد الفلسفي السياسي التعاقدي بجعل غاية الدولة تقف في حدود تحقيق الأمن والحرية والملكية الخاصة .إن الدولة غاية في حد ذاتها , باعتبارها نظاما أخلاقيا يكون في احترامه احتراما للعقل باعتبار الدولة تجسدا للعقل، لذلك كان من الواجب الانخراط في الدولة؛ فلا وجود لحرية الأفراد في غياب حرية الدولة فمنها يستقي الأفراد حريتهم .
إن اقتصار دور الدولة على تحقيق غايات خارجية (السلم ،الملكية الخاصة،الحرية....) يجعل الانتماء إلى الدولة مسالة اختيارية والحال أن علاقة الفرد بالدولة أوثق وأوطد . فمصير الفرد أن يعيش في حياة جماعية كلية . هكذا تختفي النزعة الفردية في التصور الهيجيلي للدولة والذي يجعل لها سلطة مطلقة تسحق الفرد تحتها كما أنها ذات سيادة وروح كليتين.
لا يوافق هيجل على الفكرة الليبرالية التي تذهب إلى أن أصل المجتمع هو اجتماع أفراد أحرار ومتساوين وعقلانيين واتفاقهم على إيجاد نظام يكفل حقوقهم ويحميها. فالحقيقة أن الفردية والحرية والحقوق وتساويها ليست موجودة في حالة سابقة على الاجتماع البشري ويأتي النظام السياسي ليحميها، فهي أشياء من صنع الاجتماع السياسي نفسه، وبالتالي لا يمكن الذهاب إلى أن النظام السياسي ظهر إلى الوجود لحفظها وحمايتها،لأنها ليست أسبابا لظهور السياسة، بل هي أهداف يحققها التفاعل السياسي. لقد صادرت الليبرالية على ما تريد إثباته، إذ افترضت وجود الحريات والحقوق قبل الاجتماع السياسي في حين أن هذه الأشياء هي الغايات النهائية للاجتماع السياسي.
وتتضح مواجهة هيجل لنظريات الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي من تناوله لمفهوم الحرية. فتفترض هذه النظريات وجود الحرية كاملة في الحالة السابقة على التنظيم السياسي، وهذه الحرية الكاملة تدفع الناس إلى الصراع وتكون حربا للكل ضد الكل. ولكي يتم التغلب على هذا الوضع يتفق الناس ويجمعون على التنازل عن جزء من حرياتهم الأصلية في سبيل إنشاء نظام سياسي يعمل على تحقيق الأمن والردع وتطبيق القانون. حالة الاجتماع السياسي إذن هي حالة تخل عن جزء من الحرية ومن الحق الطبيعي للأفراد. ومن هنا يذهب هيجل إلى أن الليبرالية تنظر إلى الدولة على أنها قيد خارجي على حرية المرء، ونظام فرضته ضرورة خارجية وليس نتيجة للتطور الاجتماعي والسياسي للبشرية. وعلى الجانب الآخر يذهب هيجل إلى أن الأفراد لا يتخلون عن جزء من حرية أو حق للدخول في النظام السياسي، بل يتخلون عن الإرادة الهوجاء والعنف والهمجية الناتجة عن اختفاء النظام السياسي. فليست هناك حريات أو حقوق قبل الاجتماع السياسي.
ويرفض هيجل القول بأن اختفاء الدولة في حالة الطبيعة الأولى كان اختفاء لأي اجتماع سياسي أو تعاون اجتماعي من أي نوع. فقد بحث هيجل نفسه في التاريخ عن فترات اختفت فيها الدولة وجعلها معيارا للحكم على مفهوم حالة الطبيعة الأولى لدى نظريات الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي. ففي محاضراته في فلسفة التاريخ تناول هيجل فترة الانتقال التاريخية من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. ففي هذه الفترة لم تكن الدولة الحديثة قد ظهرت بعد، كما اضمحلت فيها سلطات الملكيات القديمة، وكانت فترة وسيطة بين فترتين تاريخيتين شهدتا دولا كبيرة قوية هي فترة العصر القديم الذي شهد دول مصر والصين والهند واليونان والرومان، وفترة العصر الحديث الذي شهد ظهور دول أوروبا الحديثة. ففي فترة اختفاء الدولة في العصور الوسطى شهد المجتمع الأوروبي صعود العديد من طوائف واتحادات التجار والحرفيين والفرسان والنبلاء وذلك لمواجهة حالة الفوضى و اللانظام واختفاء الدولة. فعندما وجدت حالة طبيعة أولى حقيقية في التاريخ، أي حالة اختفاء للدولة، لم تكن هذه الحالة مكونة من أفراد متصارعين كما تذهب الليبرالية، بل من تنظيمات اجتماعية وطوائف ونقابات ذات طابع خاص.
(*)

4- مشروعية سلطة الدولة(نص ماكس فيبر) :
يستعرض ماكس فيبر في بداية الفصل الثاني من كتابه"العالم والسياسي"لنظرية في خصائص مشروعية السلطة في المجتمعات ؛ حيث اعتبر ان الدولة هي المعبر الفعلي عن علاقات الهيمنة وذلك وفق نموذج سياسي معين ؛ إذ تتنوع أشكال الممارسة السياسية بتنوع البعد التاريخي للمجتمعات .وفي هذا الصدد يمكن النظر مع فيبر الى تاريخ الدول /السلطة /المشروعية بما هي تعبير عن السلطة كمؤسسة حاكمة وقائمة في التاريخ . وأولى هذه السلطات ؛ تلك التي يمثلها "الأمس الأزلي" من خلال الاحتكام إلى العادات و التقاليد .وهذا ما يبرر ذلك الاحترام و التقديس الذي يحف تلك الأعراف السائدة في هذا التجمع القبلي أو الاجتماعي ؛ حيث تبرز هذه السلطة التقليدية في شخص الأب الأكبر أو السيد . أما ثاني هذه السلطات ؛ فتلك المبنية على المزايا الشخصية لفرد ما لكونه يتمتع بكاريزمية تجيد لفت الانتباه إليه مادام يتمتع بقدرات خارقة تجعله ملهما وبطلا في أعين من يحيطون به ؛ مما يكسبه هالة من الوقار والاحترام والثقة تجعل منه زعيما لهذا التجمع البشري ..وهذا النوع من السلطات هو الذي مارسه الأنبياء ؛ أو قائد الحزب أو الديماجوجي الكبير .وأخيرًا تلك السلطة التي تفرض نفسها في إطار فضيلة المشروعية ؛ بمعنى تلك السلطة التي تؤمن بصلاحية النظام السياسي القائم من خلال الإيمان بمشروعه وكفاءته واحتكامه لقواعد عقلانية ؛ أو لأنها سلطة قائمة على مبدأ الخضوع والامتثال للواجبات والالتزامات المطابقة لقوانين النظام القائم ؛ وهذه السلطة هي التي يمثلها "خادم الدولة الحديثة".
إن دوافع احتكام الناس إلى السلطة منبعه خوف الناس من الممسكين بزمام السلطة؛ أو ذلك الأمل الذي يحيا في كل فرد بالجزاء الذي قد يحصل عليه سواء دنيويا أو في العالم الأخر . ويمكن القول أن تبرير مثل هذه المتمثلات يكتسب أهمية كبرى بالنسبة لبنية السيطرة ؛ بل ومن الأكيد أن مصادفة مثل هذه النماذج في الواقع يعد أمرا نادرا جدا ؛ومع ذلك لم يعد اليوم ممكنا الحديث باستعراض كل تفاصيل هذه النماذج إلا بدمجها في إطار النظرية العامة للدولة.
5- السياسة بما هي صراع(نص مكيافيللي) :
تعتبر الدولة شكلاً من أشكال التنظيمات التي تنظم حياتنا الاجتماعية والسياسية وذلك بوسائل وطرق مختلفة وطبائع متعددة، فلا يمكن تصور حياة اجتماعية منظمة دون وجود سلطة سياسية وراءها.و يعد مكيافيللي من الأوائل الذين فكروا في إشكالية السلطة وطبيعتها داخل الدولة بعد أن تم استقلال الدولة الأوربية عن سلطة الكنيسة؛ وهو ما يصطلح عليه بنموذج الدولة الحديثة التي أصبحت ترتبط بشخص الأمير وقدراته في استخدام كل الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة ، القانونية والغير القانونية ،بتحقيق الوحدة و إرساء القوانين.
(*)
فما يذهب إليه مكيافيللي في كتابه الأمير،كيف للأمير أن يحكم ؟ وأن يحفظ حياته وحياة الناس معه داخل الدولة ؟ فالدولة حسب مكيافيللي غير منفصلة عن الأمير الذي يحكمها، فهما شيء واحد.(*) لهذا نجد مكيافيللي يقدم مجموعة من النصائح للأمير من أجل توطيد سلطته السياسية وذلك عبر استغلال الفضائل الحميدة والرذائل وتوظيف الوسائل المتاحة و لكن شريطة ألا يفقد الأمير حب شعبه له لأنه قد يحتاج هذا الحب في وقت الشدائد،وهذا ما يجعل الأمير يتعامل وسط الناس بحيطة و حذر حيث يرى مكيافيللي أنه على الأمير أن يكون ثعلبا وأسدا في نفس الوقت فكيف للحاكم أن يكون مثل ذلك؟ إن هذا الاعتبار يعني أن هناك طريقتين في ضبط الحكم ، الطريقة الأولى و كما يشير إليها مكيافيللي هي الطريقة القانونية والتي تعتمد أو تستند إلى ما هو قانوني. أما الطريقة الثانية فهي طريقة القوة و التي من خلالها يستطيع الأمير إرهاب وتخويف الأعداء، لهذا على الأمير أن يعرف كيف يحكم ، وكيف يتصرف انطلاقا من هاتين الطريقتين؟ فأن يكون ثعلبا معناه أن يعرف كيف يحمي نفسه من الوقوع في الفخاخ و أن يكون أسدا معناه أن يكون شديد القوة والهامة حتى يخيف الآخرين.
فممارسة السياسة حسب هذا الطرح تكون بحب الطبائع البشرية، فالأمير يحكم بوفاء وإخلاص مع وجود الناس الأخيار، وطبعا ليس كل الناس مثل ذلك، فمنهم الأشرار وهؤلاء يستوجب معهم نوعا من السلطة التي تحول دون هذا الشر، فمن أراد أن يكون ثعلبا من اجل أن يخدع الناس قد يجابه بخداع اكبر منه ويسقط في فخ قد يكون وهو الذي نصبه بنفسه.
(*)
6- فصل سلطات الدولة و استقلالها (نص مونتيسكيو):
يذهب مونتسكيو في كتابه" روح القوانين" إلى التمييز بين ثلاث وظائف أساسية للدولة وهي : السلطة التشريعية- السلطة التنفيذية- السلطة القضائية.فالأولى متمثلة في البرلمان وهي التي تشرع القوانين داخل الحياة في الدولة.أما الثانية تتمثل في الحكومة والتي تكون بتنفيذ تلك القوانين , كما تعمل أيضا على توفير شروط الأمن للمواطنين.أما النوع الثالث فيتجلى دوره في تطبيق تلك القوانين وممارستها و هذا النوع الأخير كما يقول مونتسكيو هو الكفيل بضمان الأمن و الحرية. لهذا يذهب مونتسكيو إلى الفصل بين هذه السلطات الذي من أجله يتأتى جو الأمن والحرية والمساواة و أن تداخل هذه السلطات حسب مونتسكيو قد يؤدي إلى الجور والظلم وإهدار حقوق المواطنين وسلب حرياتهم. ولذلك وجب استقلال كل من السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية بحيث لا يجوز لهذه الأخيرة أن تصدر أحكاما كما لا يجوز لها أن تعرقل الأحكام التي أصدرها القضاء أو الحكومة.
ونفس الأمر بالنسبة للسلطة القضائية بألا تتدخل في اختصاصات السلطة التنفيذية وأيضا نفس الأمر بالنسبة للسلطة القضائية مع السلطة التشريعية بمعنى ألا يكون المشرع قاضيا،فهذا قد يؤدي حسب مونتسكيو إلى تعذر قيام العدالة والمساواة والتي قد تضيع معها كل القوانين والمراسيم من جهة ، ثم الأحكام –التي هي من اختصاص القضاء –من جهة ثانية. بهذا وجب أن يستقل القضاء عن السلطة التشريعية حتى نتجنب الظلم و الطغيان كما يوضح مونتسكيو.وهذا لا يعني الانفصال المطلق والتام بين هذه السلطات كما يدعو مونتسكيو، بل إن هناك في الحقيقة تعاون وتعاضد فيما بينها.فكل واحدة من هذه السلطات تكمل الأخرى فالسلطة التشريعية أو البرلمان هي الرافد الأساسي الذي يستند إليه القضاء في إصدار الأحكام ،وهذه الأحكام بالضرورة تحتاج إلى تنفيذ والذي يتولى هذه المهمة هو الحكومة أو السلطة التنفيذية.
(*)
من هنا يمكن القول على أن التكامل بين السلطات طبيعي ومقبول وإن كنا قد أكدنا مع مونتسكيو على ضرورة الفصل والاستقلال وعدم تداخل إحدى هذه السلط في مجال الأخرى الذي قد يؤدي الى ضياع الحقوق . بالإضافة إلى كل هذا يجب على الدولة ان توفر لمواطنيها حقا آخر يرتبط في الواقع ارتباطا وثيقا بحق الحرية، ألا وهو حق الأمن والرعاية ضد الأخطار الخارجية.
7- الدولة مجموعة من الأجهزة( نص ألتوسير):
طرح تجديد الفكر الماركسي إشكالا نظريا فيم يخص مسألتين : الأولى تتعلق بأن كل محاولات التجديد التي لحقت الماركسية اتهمت بتحريف أصول الماركسية .والثانية تتعلق بأن مسألة طرح الماركسية من جديد في المجتمع بعيد عن لحظة ماركس بعشرات السنين؛ معناه إعادة النظر أو على الأقل تكييف الفكر الماركسي مع معطيات العصر. وفي هذا الصدد يحضر لوي ألتوسير كأهم منظر للنظرية الماركسية .وفي هذا النص يكشف ألتوسير عن الأبعاد الأيديولوجية لأجهزة الدولة مستثمرا في ذلك العديد من المفاهيم الماركسية من خلال استحضار مفهوم الصراع والهيمنة والتحكم والمراقبة والقمع والعنف. ومن هذا المنظور يميز التوسير بين نوعين من الأجهزة التي تحكم بها الدولة ؛ النوع الأول يرتبط بجهاز يعياني يتمثل في الجيش والشرطة والسجون ؛ حيث يمثل جهازا عنيفا تتم بواسطته قمع كل أشكال الانحراف والتظاهر ؛ أي أن الدور المنوط بهذا الجهاز هو شل حركة المجتمع نحو الثورة .أما النوع الثاني فيرتبط بجهاز آخر أكثر تكتما تسرب من خلاله الدولة إيديولوجيتها الخاصة وفق الشروط والظروف التي تسمح لها بذلك ؛وفي هذا الإطار يمكن إدراج كل مؤسسات الدولة : مؤسسة دينية ، مدرسية، قانونية، إعلامية...
إن كل هذه المؤسسات تمارس الدور المكمل لما تقوم به أجهزة الدولة القامعة،التي و إن كانت تمارس العنف المادي، فإن هذه المؤسسات الأخيرة تمارس نوعا من التعمية و التعنيف الأيديولوجي من خلال ما تمارسه من إكراه فكري؛ بل وأن هذه السلطة التي تمتلكها تبقى في كل المجتمعات متخفية لكونها إما تخاطب الجانب الوجداني أو الإلزامي(الدين، القانون) في الإنسان؛ ومن تم، فهذه الأشكال الإيديولوجية لابد وأن تتكامل فيما بينها لتنتج شكلا قمعيا للدولة.
8- السلطة ليست مجموعة أجهزة ( نص ميشيل فوكو):
يمكن القول على سبيل افتراضي أن التصور الفوكوي لطبيعة السلطة السياسية يختلف عدة ونتائج عن التصور الألتوسيري لأشكال أجهزة الدولة وممارستها لفعل القمع . وهنا يجب أن نشير إلى أن فوكو ينطلق من فرضية تقول أن الإستراتيجيات و علاقات القوى المتعددة التي تتداخل فيما بينها هي التي تخلق سلطة الدولة ومؤسساتها . ومن هذا المنطلق ، فإن السلطة عند فوكو لا تعبر عن شكل متعال عن مجال اشتغالها، بل عن شكل محايد يطلق على وضعية إستراتيجية معقدة في مجتمع معين .
إن التصور الكلاسيكي للسلطة ظل محصورا في مجموع الأجهزة و المؤسسات التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل دولة معينة سواء عن طريق العنف أو عن طريق القانون. لكن فوكو سوف يرفض هذا التصور بدعوى أن الانطلاق من فرضية سيادة الدولة في إطار الشرعية و الهيمنة معناه الوصول إلى الشكل النهائي للسلطة، وعليه، فإن الذي يهم ،حسب فوكو، هو البحث عن أشكال تغلغل وتواجد وتصارع مجموعة من القوى داخل مجتمع ما لتفرز شكلا مهيمنا ما. يقول :"يبدو لي أن السلطة تعني بادئ ذي بدء علاقات القوى المتعددة التي تكون محايدة و تعمل فيه (....) إنها الحركة التي تحول تلك القوى و تزيد من حدتها وتقلب موازينها بفعل الصراعات التي لا تنقطع". ولا يخفى أن القول بحتمية الصراع معناه التوسل بخطط واستراتيجيات تضمن دوام المنافسة و الصراع مع الخصم من أجل الهيمنة. فإذن ما السلطة؟يجيب فوكو بقوله "يجب تحليل السلطة كشيء متحرك ، وبالأحرى كشيء لا يمكنه الاشتغال إلا عن طريق التسلسل ، فهي ليست محلية وليست بيد أحد ، بل تشتغل في إطار شبكة ، ومن تم( تضمن) حركة الأفراد بجعلهم مستعدين للخضوع أو ممارسة السلطة ." والقول بشبكية السلطة معناه الإقرار بعدم جدوى البحث عن السلطة في النقط المركزية للدولة كما تمثلها المؤسسات ، بل من الضروري الالتجاء إلى أكثر النقط الهامشية لأنها أكثر فاعلية .ومن هذا المنظور ، يلح فوكو على اعتبار السلطة نوعا من المعرفة الإستراتيجية الموجًهة والموجَهة ، فمن جهة لا تشتغل السلطة إلا على نحو معرفة ، والمعرفة هي التي تضمن سيادة السلطة .ولهذا يمكن القول أن السلطة متواجدة في كل مكان وزمان نظرا لقدرتها على التولد في كل لحظة ؛ إذ بمجرد ما تنبع معرفة ما (علمية أو غير علمية) لابد وأن تظهر في شكل سلطة معينة بالغة التعقيد لدرجة يصعب تتبع أصول نشوئها .
9- مشروعية العنف( ماكس فيبر):
يعبر كتاب "العالم والسياسي" لماكس فيبر عن إشكالية جدلية يحياها المجتمع المعاصر ؛ بين تدخل العلم في شؤون المجتمع ومحاولات تغييره نحو الأحسن وبين رؤية السياسي الذي يمارس نوعا من الهيمنة في إطار من المشروعية.
إذن كيف يمكن تحديد مظاهر تسييس كل مناحي الحياة الاجتماعية وجعلها خاضعة لهذا النموذج السياسي أو ذاك ؟
إن السياسة عند فيبر وإن كانت تحيل في دلالاتها على مظاهر كثيرة ترتبط بوسائل التدبير والتحكم , فإنها تحيل بشكل أساسي على مفهوم الدولة كقيادة سياسية لتجمع بشري في جغرافية معينة.لكن كيف يمكن للدولة أن تسوس أمور الشعب ووفق أي أدوات ؟
يقول فيبر على لسان تروتسكي أن وسيلة الدولة المثلى هي العنف كضامن وحيد لهيمنة الدولة.غير أن هذا العنف وإن كان ليس وسيلة الدولة الوحيدة ، إلا أنه أكثر أسلحتها نجاحه في قيادة المجتمع ولممارسة السلطة ، مادام أن تاريخ البشرية كشف عن محاولات التعنيف لضمان السلم الاجتماعي . من هذا المنطلق يرى فيبر أن السياسي يتوق إلى السلطة ، إما لأنها وسيلة لتحقيق غايات مثالية أو أنانية و إما لذاتها من أجل إشباع الشعور بالفخر الذاتي والرغبة في الوصول إلى السلطة وامتلاكها، بل وإن الاحتفاظ بها يعني بالضرورة أن الدولة /السلطة تعتمد على علاقة أساسية تربط بها هيمنة الإنسان على الإنسان من خلال العنف المشروع، ومن تم يقول فيبر"لا يمكن أن توجد الدولة إلا بشرط خضوع الناس المهيمن عليهم إلى السلطة"
يمكن القول إذن أن الدولة من هذا المنظور هي المالكة الوحيدة لحق ممارسة العنف داخل تجمع سياسي معين كونها تمتلك وسائل متعددة لممارسة السلطة.
10- الدولة هي نتاج الصراع بين الطبقات ( فريدريك إنجلز ):
لا يمكن النظر إلى الفكر الماركسي إلا من داخل علاقاته مع فلسفة هيغل . والواقع أن ماركس أخد عن هيغل في كثير من أطروحاته دون أن يمنعه ذلك من إعادة النظر في التصور الهيغيلي للتاريخ والدولة. إذ إذا كان هيغل قد أقر بأن التاريخ أو الروح المطلق قد انتهى مع الدولة الروسية معبرا عن انصهار العقل في الواقع والواقع في العقل، فإن مثل هذا التصور لا يخفي عن نفسه البعد التبريري والاختزالي للتاريخ ، وربما هذا ما يبرر قلب ماركس للجدل الهيغلي بجعله يسير على قدميه بعد أن كان يسير على رأسه.فإذن كيف يحضر مفهوم الدولة عند كل من ماركس وانجلز؟ وما علاقة تطور التاريخ بالدولة ؟
إن الدولة في نظر إنجلز ليست هي الصورة المطلقة لظهور العقل في التاريخ وفي الدولة , بل إنها نتيجة تصارع قوى عديدة داخل هذا المجتمع أو ذاك في مراحل تطوره.وهذا يعني تماشيا مع التصور الماركسي ، أن التناقض والصراع هو المحدد الأول والأخير الذي تم من خلاله فصل طبقات المجتمع تبعا للمصالح الاقتصادية لكل طبقة ، ومن هنا يمكن فهم أساس قيام الدولة كطرف للمصالحة بين الأطراف المتنازعة، ومن تم تنصب نفسها فوق المجتمع .
ولهذا السبب يمكن فهم حاجة كل المجتمعات إلى الدولة ، إذ إن كل إفرازات المجتمع الإيديولوجية والدموية بين الأفراد والطبقات تحتاج كلها إلى جهاز سلطة لكبح تعارضاتها وجعلها في مستوى مقبول.لكن لا ينبغي أن نفهم من هنا أن الدولة طرف محايد في معادلة الصراع، بل هي دوما تتشكل من الطبقة الأقوى في المجتمع أي تلك الطبقة التي تسود وتهيمن اقتصاديا ، مما يضمن لها أن تسود سياسيا .وهذا يعني ، حسب إنجلز، لم توجد في يوم من الأيام إلا عندما تطور الميدان الاقتصادي وفرض تنظيم المجتمع وفقا لوسائل الإنتاج والاستغلال.




الخاتمة :
إن فلسفات الغرب الحديثة كانت تستهدف " حماية وصيانة حقوق وحريات الأفراد " ‘ وتبعاً لذلك فإن هذا الهدف يرتبط بالشرعية هناك ‘ فلكي تكون هناك سلطة شرعية فلابد أن تلتزم في أدائها لوظائفها بذلك الهدف ‘ ومن هنا كانت وظائف الدولة الغربية أدوات لتحقيق ذلك الهدف ‘ فالسلطة السياسية في الغرب حتى تقوم وتستمر لابد أن تسعي لتحقيق ذلك الهدف الذي أراده واضعو الفلسفات السياسية الغربية الحديثة ( صيانة حقوق وحريات الأفراد)‘ وهو ما يرجي من وراء النظام السياسي في أي دولة .
هذا ولقد راح الغرب المعاصر في ثنايا الواقع الفعلي ينحرف عن أهدافه العليا وقيمه الأساسية التي تحددت في فلسفات القرنين " السابع عشر والثامن عشر " ‘ فعلاً – انحرفت الدولة الغربية المعاصرة عن غايتها المحددة سلفاً في أيديولوجيتها ( حماية وصيانة حقوق وحريات الأفراد ) ‘ فإلي جانب تغاضي الدساتير الغربية المعاصرة عن كثير من حقوق الأفراد وفي مقدمتها حق المقاومة ‘ انتهي الأمر ( عملاً ) إلي سيطرة قلة ( رأسمالية ) علي السلطة واحتكارها ‘ فراحت السلطة – هناك – تعمل لحساب ولمصلحة تلك القلة علي حساب " الفرد " الذي هو غاية الدولة هناك . من هنا : فإننا نشكك في شرعية تلك النظم السياسية الغربية المعاصرة تبعاً لخروجها علي أهداف مجتمعاتها العليا وقيمه الأساسية .
إن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى أن يعيدوا هرم أولوياتهم والتركيز على قضاياهم المصيرية التي تمس كيانهم ومستقبلهم، وتضمن منحهم القوة اللازمة لردع كل من تسول له نفسه الإساءة لمعتقداتهم ، والاستهانة بمشاعرهم ، و محاولة شغل فكرهم بأمور هامشية تبدد وقتهم وجهدهم، وتستنزف طاقاتهم التي يجب تسخيرها لخدمة دينهم وقضايا أمتهم.
وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم الإسلامي من مشاكل وتحديات كبيرة جعلت الأمة الإسلامية في حالة إحباط ويأس شديدين، لابد من العمل على إعادة روح الثقة بالنفس للعالم الإسلامي وإعادة مؤسساته بحيث تواجه التحديات، وذلك يحتاج إلى إعادة التفاؤل إلى الأمة الإسلامية وبث الأمل في المستقبل، خاصة وأن رسالة الإسلام الحقيقية هي رسالة الخير للإنسانية وتدعو إلى السلم ونشر المحبة والتعاون والإخاء والعدل والحق والتكافل الاجتماعي، إلى آخره من المعاني السامية، فإننا نتطلع إلى أمة موحدة ووسطية تجسد سماحة الإسلام وذلك لكي تنهض الأمة من كبوتها . بل أنه لابد من الالتزام بمبادئ الإسلام وأركانه والتأكيد على ضرورة الحوار والالتقاء بين المذاهب .
فشعار "الإسلام هو الحل" ليس شعارًا زائفًا وإنما المقصود به الإسلام الذي يهتم بإيجاد حلول لكافة المشاكل والأزمات التي تعاني منها الأمة سواء أكان على مستوى الفرد أم على مستوى الجماعة والدولة .
"فالإسلام هو الحل" يعني تطبيق الشريعة وضرورة الالتزام بها والسعي إليها، فالإسلام هو الحل يعني الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف، عبادة وقيادة، ثقافة وفكر، عدالة وقضاء، هكذا قال (الأستاذ الدكتور/ البنا) .
وللنهوض بالأمة الإسلامية لابد من وضع خطة إصلاحية تشمل كافة المجالات الفكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية وغيرها من المجالات. فالعالم إذن في حاجة إلى الإسلام لترسيخ أسس السلام والاستقرار في عالمنا.



هبة الله أحمد خميس



المراجع والمصادر :


(1) http://www.alghad.jo/?news=204917

(1) د . محمد الدجاني ، د. منذر الدجاني ، " الحكم والإدارة "، ] د .م ، جامعة القدس ، 2000[
(2) إبراهيم مدكور ، " المعجم الفلسفي " ، ] القاهرة ، مجمع اللغة العربية ، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ، 1983 [ ص 85

(3) أندريه لالاند ، " موسوعة لالاند الفلسفية " ، ترجمة : خليل أحمد خليل ، الطبعة الثانية ، ] باريس - بيروت ، منشورات عويدات ، 2001 [ ص ص 368-369 .

(*) علي عبد المعطي ، " تاريخ الفكر السياسي الغربي ، ] الإسكندرية ، دار المدينة الجامعية ، 2000 [ .
(*)راجع : ليوشتراوش ، جوزيف كروبسي ، " تاريخ الفلسفة السياسية " الجزء الثاني – من جون لوك حتى هايدجر ، ترجمة : محمود سيد أحمد ، مراجعة وتقديم : إمام عبد الفتاح إمام ، الطبعة الأولى ،] القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2005 [ص ص 7-70 .
(*)المرجع السابق، ص ص 137- 166.
(*) http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=31915&SecID=391

(*) اعتمدنا بصفة أساسية في تخريج الأحاديث النبوية علي :" المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي" ‘ الذي رتبه ونظمه ونشره د. أ . ي . ونستك . دار الدعوة إسطنبول ‘ 1986 .

(*) د. عادل فتحي ثابت عبد الحافظ ‘ " شرعية السلطة في الإسلام – دراسة مقارنة " ‘
[ الإسكندرية ‘ دار الجامعة الجديدة للنشر ‘ 1996 ] صــ86-90.

(*) نقلا ً عن : حسين بن محسن بن علي جابر ‘" الطريق إلي جماعة المسلمين " ‘ رسالة ماجستير منشورة ( من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ) ‘ دار الدعوة بالكويت ‘ 1986 ‘ ص 27 .
(*) راجع : عبد الرحمن بن خلدون : " مقدمة العلاقات ابن خلدون " ‘ [ المطبعة الأدبية ‘ بيروت ‘ عام 1900 [ ص ص 131 – 172 .
- عبد الوهاب أحمد الأفندي ‘ " الإسلام والدولة الحديثة – نحو رؤية جديدة " ‘ [ لندن ‘ دار الحكمة ‘ ] ص ص14-15
* الفارابي ؛ ولد سنة 260 هـ في فاراب ببلاد الترك الأولى ، ثم هاجر إلى بغداد ، حيث تعلم العربية ودرس الطب والفلسفة والموسيقى ، ثم سافر إلى دمشق في 330 هـ ، ومنها إلى بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب ، ثم قام برحلة إلى مصر في 337 هـ ، وعاد إلى دمشق وتوفي فيها عام 339 هـ ، ومن أشهر كتبه: آراء المدينة الفاضلة ، الموسيقى الكبير .
(*) د. علي عبد الواحد وافي ، " المدينة الفاضلة للفارابي " [عالم الكتب ، القاهرة ، 1973 ] ، ص ص 33 - 34 .
(*) د. إسحاق عبيد،" المدينة الفاضلة عند جواتما بوذا ، أفلاطون ، الفارابي ، توماس مور ، فرانسيس بيكون " الطبعة الأولي ، ص 35.
(*) د. علي عبد الواحد وافي ، مرجع سابق ، ص 37 .
(*) د. إسحاق عبيد ، مرجع سابق ، ص ص 38 – 40.
(*) د. إسحاق عبيد،" المدينة الفاضلة عند جواتما بوذا ، أفلاطون ، الفارابي ، توماس مور ، فرانسيس بيكون " الطبعة الأولي ، ص 40.
(*) د. علي عبد الواحد وافي ، " المدينة الفاضلة للفارابي " ، ص ص 91 - 93 .
(*) أنظر: عبد الوهاب خلاف ‘" علم أصول الفقه" ‘ ]د.م ، دار القلم ، 1956 [ ، ص 200 .
(*) راجع : عز الدين بن عبد السلام ‘" قواعد الأحكام " ‘ ]القاهرة ، د.ت ، 1968 [ ، ص ص11- 74.

(*) لمزيد من التفصيل في هذا الشأن ارجع إلي : د. فوزي محمد طايل ‘ أهداف ومجالات السلطة في الدولة الإسلامية ‘ رسالة دكتوراه ( منشورة ) ‘ كلية الحقوق ‘ جامعة القاهرة ‘ دار النهضة العربية ‘ 1986 ‘ ص5 وما بعدها .
(* ) د.عادل فتحي ثابت عبد الحافظ ،" شرعية السلطة في الإسلام – دراسة مقارنة " ، ص ص 234-238
(*) د. فضل الله محمد إسماعيل ، " النظم والنظريات السياسية والإسلامية " ، ص 349 .
(*) البيعة في لغة العرب : الصفقة على إيجاب البيع ، وصفق يده وعلى يده بالبيعة والبيع : ضرب بيده على يده عند وجوب البيع ، و تصافقوا : تبايعوا . وكانت العرب تعقد الحلف والعهد بأساليب مختلفة ، مثل أنهم كانوا يضعون أيديهم في جفنه مملوءة طيبا ويتعاهدون على أمر ، أو في جفنه مملوءة دما . البيعة في الإسلام : علامة على معاهدة المبايع له و أن يبذل له الطاعة في ما تقرر بينهما ويقال بايعه عليه مبايعة أي عاهده عليه .
(*) د. فضل الله محمد إسماعيل ، " النظم والنظريات السياسية الإسلامية " ، ص ص 350 - 351
(*) الشورى في اللغة: الشُّورَى: المشورة، والمشاورة: استخراج الرأي، يقال: شَاوَرْتُهُ في الأمر، استشرته، وطلبت منه المشورة . الشورى في الاصطلاح: قال الراغب الأصفهاني : " هي استخراج الرأي، بمراجعة البعض إلى البعض " ، ويقول ابن العربي : " هي الاجتماع على الأمر، ليستشير كل واحد منهم صاحبه، ويستخرج ما عنده " ، وعرفها الدكتور جابر الأنصاري ـ من المعاصرين ـ بقوله: " هي استطلاع رأي الأمة، أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها " .

(*) عبد الرحمن خليفة ، " المدخل إلى علم السياسية " ، [دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1988 ]
ص 51 .

(*) راجع: د. فضل الله محمد إسماعيل ، "النظم والنظريات السياسية والإسلامية" ، ] الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 2003 [ص ص 379- 389.
(*) المرجع السابق، ص 289.

(*) هاري ايكستاين Harry Eckstein ‘ " حول علم الدولة " ‘
( On the ' Science' Of State ) فصلية Daedalus ‘ عدد خريف 1979 ص16.
(*) المرجع السابق ، ص 17 .
نقلاً عن : عبد الوهاب أحمد الأفندي ‘ " الإسلام والدولة الحديثة – نحو رؤية جديدة " ‘ [ لندن ‘ دار الحكمة ‘ د.ت ] ص ص 11- 12

(*) http://www.alghad.jo/?news=204917

(*) Thomas Hobbes , " Leviathan ", (Everyman s Library , New York : Dutton ,1950 ) ,chap . xxx , pp.296 ff. and De Cive, chap. Xiii, esp. xiii. 14 .
راجع : ليوشتراوش ، جوزيف كروبسي ، " تاريخ الفلسفة السياسية " الجزء الأول – من ثيوكيديديس حتى إسبينوزا ، ترجمة : محمود سيد أحمد ، مراجعة وتقديم : إمام عبد الفتاح إمام ، ] القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2005 [ ، ص ص 375 – 610 .
(*) المرجع السابق ، ص 663 -670 .
(*) عبد الرحمن بدوي ، " فلسفة القانون والسياسة عن هيجل " ، الطبعة الأولى ، ] القاهرة ، دار الشروق ، 1996 [ ص ص157-173 .
(*) راجع : ليوشتراوش ، جوزيف كروبسي ، " تاريخ الفلسفة السياسية " الجزء الأول – من ثيوكيديديس حتى إسبينوزا ، ترجمة : محمود سيد أحمد ، مراجعة وتقديم : إمام عبد الفتاح إمام ، ص ص 429 – 461.
(*) مكيافيللي ، " الأمير " ، ترجمة : أكرم مؤمن ، ] القاهرة ، مطابع العبور الحديثة ، 2004[ ص 12 .
(*) المرجع السابق ، ص 18
(*) راجع : ليوشتراوش ، جوزيف كروبسي ، " تاريخ الفلسفة السياسية " الجزء الثاني – من جون لوك حتى هايدجر ، ترجمة : محمود سيد أحمد ، مراجعة وتقديم : إمام عبد الفتاح إمام ، الطبعة الأولى ،] القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2005 [ص ص71- 102 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق