26 يوليو 2009

رتب أولويات حياتك



رتــــــب أولويـــــــات حيــــــــــاتــــك

مستخلص من محاضرات شفويه لدكتور/ طارق سويدان

سنتحدث اليوم عن موضوع من أهم المواضيع ألا وهو ترتيب الحياة, كثير من الناس يعتنى بإدارة الوقت , فى بداية القرن العشرين ابتدئ علم إدارة الوقت بقضية جداول الأعمال, وباختصار أن الانسان يحدد ما يجب عليه أن يفعل , ليس من الأمور الروتينية, وإنما من الأمور الغير الروتينية, ويقسمها إلى أقسام, شىء يتعلق بالبيت, وشىء يتعلق بالعمل, وشىء يتعلق بالنواحى المالية, ويحدد ماذا يجب عليه أن ينهى من أعمال, وأن عمل ينتهى يحذفه من الجدول, وأى عمل يضاف يضيفه إلى الجدول, وهذا هو الجيل الأول من إدارة الوقت, ثم جاء الجيل الثانى, وسمى بجدول الزمن, أى ان أخذ هذه الأعمال ثم أوزعها على الأوقات, ماذا سأفعل هذا الصباح, العصر, الساعة السابعة, وهكذا أوزع أعمالى على أوقاتى المتاحة, هذا هو الجيل الثانى, ثم جاء بعد ذلك الجيل الثالث, وسمى بإدارة الأولويات, وباختصار نظروا فى جدول الأعمال ووجدوا أن الأعمال ليست فى نفس الدرجة من الأهمية, أى كيف أبدأ بالأهم قبل المهم , ثم جاء الجيل الرابع وسمى بإدارة العمر, بمعنى أن حياتنا نفسها لابد ان تتجه فى اتجاه واضح, والأهم بدلا من أن ابرمج ساعتى , كما يقول ستفين كوفى, هو أن ابرمج بوصلة حياتى, يعنى فى أى اتجاه أريد ان أسير, أما ما سأطرحه اليوم هو تشكيل استفدته من كوفى ومن آخرين فى دراستى لإدارة الوقت, ومن تجربتى الشخصية فى الحياة وأحببت أن أسميه رتب حياتك, وهو خلط للجيل الثالث والرابع بطريقة أعتقد أنها أكثر عملية من الطرق النظرية المتاحة, واسمحوا لى أن أعتبر كتاب "إدارة الذات" للعدلونى الذى فيه تلخيص لكتاب إدارة الأولويات لكوفى وغيره من الكتب, اسمحوا لى أن أعتبره مرجعا تستفيدون منه للتعمق فى الموضوع, أما سيرى فى هذه الدورة فسيكون حسب الكراسة العملية التى تحتوى مجموعة تمارين ومجموعة خطوات, وأرجوا ان تفتحوا الكراسة وتستعينوا بالله عز وجل وتطبقوا معى التمارين, هذه الدورة بدون التطبيق العملى لا قيمة لها, ما الذى تسفيده إذا سمعت هذه الدورة إن لم تطبقها فعلا.

ونبدأ بمجموعة أسئلة لابد ان نجيب عليها بوضوح, استرح , خذ وقتك, وتأمل , وفكر مليا, قبل الإجابة.

1- لماذا أعيش ؟

لماذا أحيا, طبعا نحن كمسلمين لدينا إجابة ربانية, الله سبحانه وتعالى ما تركنا سدى, الله سبحانه أرشدنا إلى طريق مستقيم, لا نضيع فيه, وقد حدد لنا الله سبحانه الطريق , إذ يقول سبحانه "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون", نتميز نحن المسلمون أن كلمة العبادة عندنا لها مفهوم خاص, فى الغرب ينظر للعبادة على أنها شعائر, العبادة فى الكنيسة, العبادة يوم الأحد, والحياة لا علاقة لها بالعبادة, بينما المسلم, ينظر إلى العبادة بمفهوم شامل للحياة ولذلك يعتبر أن كل شىء يفعله ممكن أن يكون عبادة, إذا فعل بنية صالحة , وقصد به وجه الله سبحانه وتعالى وطاعته, ولذلك جاءت الأحاديث تؤكد ذلك, وفى الحديث "حتى اللقمة يضعها الرجل فى فم زوجته, له فيها أجرا", حتى المداعبات الزوجية يمكن أن تتحول إلى عبادة ويكون للإنسان له فيها أجر, بل أكثر من هذا, حتى النوم إذا قصد به التقوى على طاعة الله عز وجل والاستعداد مثلا لقيام الليل , سيؤجر عليه الانسان, وهناك كلام جميل للإمام العظيم ابن تيمية فى تعليقه على , من هم أولياء الله؟ فى الآية "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون", ملخص كلامه أن "الأولياء فى ديننا ليس لهم شكل خاص, وليس لهم ملابس خاصة , وليس كما يقولوا رجال دين, ليس هكذا نفهم الدين ونفهم الأولياء, وإنما كما يقول رحمه الله, تجدهم فى كل أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم", تجدهم فى التجار والصناع والزراع, فى الحدادة, فى كل أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فكيف نميزهم؟ من هم ؟ "الذين آمنوا وكانوا يتقون", إذن المؤمن التقى , بغض النظر عن خط سيره فى الحياة, بغض النظر عن وظيفته, ممكن أن يكون وليا من أولياء الله, أى حتى تكون من أولياء الله, ليس المطلوب منك أن يكون لك شكل معين أو وظيفة معينة أو طريقة فى الحياة معينة, سوى أنك تستقيم على الإيمان والتقوى بغض النظر عن وظيفتك , ولذلك الإسلام ما جاء ليغير أعمال الناس إلا ما كان محرما منها, ليس المطلوب منك أن تغير وظيفتك , بل من الممكن أن تسخر وظيفتك لهذا الهدف العظيم, وهو أن تحيا لله رب العالمين, تكون عبدا لله, فى كل مجالات الحياة.

ويبقى السؤال الذى بدأت به, كيف أحيا بحيث أعبد الله عز وجل , ويقول الله سبحانه "هو الذى أنشأكم فى الأرض واستعمركم فيها" , فالانسان المسلم مطلوب منه أن يعمر الأرض, فالذى يحيا على هامش الحياة, على هامش التاريخ, ليس له وزن, ليس له عطاء, ليس له عمران, ليس مشاركا فى إسعاد البشرية, لم يحقق هذا الهدف القرآنى المطلوب وهو استعمار الأرض, للأسف الكفار عندما جاؤا لاستعمار الأمة الإسلامية , استعملوا هذه الكلمة الجميلة, لأنهم تظاهروا بأنهم قد أتوا لعمران الأرض وعمران هذه البلاد المتخلفة, فاستغلوها ومصوا دماءها, لكن نعود إلى المفهوم الأساسى, نحن الذين جئنا لعمران الأرض, نحن الذين جئنا لإحياء الأرض وفق منهج الله رب العلمين.

2- ماذا سأحقق في حياتي؟

ولكى تجاوب على هذا السؤال, أريدك أن تتخيل ونفسك , وعمرك 80 سنة إن شاء الله, وتسأل نفسك هذا السؤال, أريدك أن تسأل نفسك وأنت تنظر إلى تاريخ حياتك, كم أنجزت؟ ماذا تركت ورائى؟ ما هى الآثار التى سوف أشارك بها فى الحياة, المسلم والمؤمن بل حتى الانسان الطموح ولو لم يكن مسلما لا يمكن أن يحيا بغير انجاز, انجاز يلقى به الله عز وجل إن كان من المؤمنين, إذن تخيل نفسك أنك تقول وعند 80 سنة , الحمد لله , الذى تمنيته حققته, فكر , لا تكتب , أريدك أن تتخيل, فقط, تخيل, تخيل شكلك, أشكالنا مقبولة, والجسم مازال لم ينحنى, والوجه مازال به بعض الشباب, اجلس وفكر, هل هى حياة أنت فخور بها, هل انت من الذين حققوا انجازات عظيمة؟, أم أنك تشعر أنها ضاعت, أنا أريد كل واحد وهو يقف هذا الموقف ويعيد شريط حياته, أن يكون وهو يستعرض هذه الحياة يشعر بالرضا, رضا أنه حقق هذه الطموحات التى يتمناها, أنه كان له أثر فى الحياة وفى صنع الأرض واستعمارها وبنائها وفق ما يرضى الله عز وجل, ويشعر برضا الله سبحانه أنه عاش لله.